منذ اندلاع الحرب على غزة، ومع تصاعد القصف والدمار، أصبحت المشاهد المروّعة تُعرض على الشاشات بشكل يومي. يثيرني القلق من أن يتحول القتل والتشريد إلى جزء من حياتنا اليومية، ما يؤدي إلى تجمّد الضمائر وفقدان الإنسانية معناها، فيصبح العنف واقعًا مألوفًا. في كل من غزة ولبنان، تتكرر المآسي بلا رحمة، حيث لا تعترف الحرب بالحدود أو بالأرواح. وسط هذه الواقع المرير، كيف يعيش طلاب اللاعنف الحرب؟ بم يشعرون، كيف يعيشون الوضع كلٌّ في منطقته؟ وكيف تأثّرت مواقفهم بعد أن درسوا اللاعنف؟ تعبير حرّ، من دون آراء سياسيّة.
عبير: حزن وعجز في ضوء الحرب
عبير، من ضاحية بيروت، المتخصّصة في علم النفس، تصف حالتها بعبارات مؤثرة: “أشعر بحزن كبير، وأشعر بالعجز.. تتساءل عن كيفية تقديم المساعدة، وتقول: “أنا منزعجة من كمّية العنف من حولي. أودّ أن أقوم بدراسة حول العنف والعدوانية، كيف تولد عند الأفراد وحتى المدنيين منهم”. تتابع حديثها وتقول: “تيقنت أن اللاعنف هو الحل الأمثل لكلّ النزاعات بعد أن شاهدنا حجم الدمار وأنّ التكنولوجيا من الممكن أن تستعمل لتدمير الإنسان”.
منجد: الأطفال وضحايا العنف
منجد، الأستاذ في التعليم الثانوي، الذي يتنقل للمساعدة بين مدينة عاليه في الشوف وبلدة الكفير في الجنوب، يشارك تجربته المؤلمة: “شاهدتُ امرأة مرتبكة تحاول تحميم طفلتها ذات السبعة أشهر، التي تعاني من الربو، فوضعت غالون الماء في الشمس لتسخينه. هذه الصورة تثير في نفسه مشاعر قوية، خاصة تجاه معاناة الأطفال. يواصل منجد: “أكثر ما يؤلمني هو أن هؤلاء الناس صاروا أرقامًا، فقدوا هويتهم ووجودهم. يحاولون البقاء على قيد الحياة في عالم يعتبرهم مجرّد أعداد”. ويضيف: “العنف يدمّر القاتل والقتيل على حدّ سواء، بينما اللاعنف يعيد للإنسان قيمته”.
غبريللا: القلق والعمل من أجل الغير
غبريللا، من كسروان – جبل لبنان، المتخصّصة في علم النفس، تعبّر عن مشاعر القلق المتزايدة: “أشعر بالخوف على حياتنا وعلى من نحب. وكأننا أصبحنا آلات، لا نستطيع أن نفكر أو نركز على شيء”. تجربتها في العمل مع النازحين تعكس تحولًا في رؤيتها: “عندما بدأت أعمل في الفريق الذي يقدّم الدعم، رأيتُ كم أن التضامن الإنساني ضروري”. وتضيف: “صرت أعرف أن هناك بدائل غير العنف، بعد أن التحقت بجامعة اللاعنف وحقوق الإنسان وتبلورت أفكاري”.
أديت: من الغضب إلى التعاطف
أديت، معلّمة المسرح، من زحلة، تسرد مشاعرها المتقلبة: “بداية، كنت أشعر بالغضب الشديد وألوم النازحين وقرارات محيطهم، لكنني بدأت أفهم هواجسهم”. بعد دراستها اللاعنف، أصبحت أكثر تعاطفًا: “أرى فيهم الإنسان، أدركت أننا لا نعرفهم بقدر ما يجهلوننا”. تعبّر عن قرارها بأن تكون فعالة: “ساعدتُ مع أهلي في إيجاد بيوت للنازحين، واستقبلنا عائلات في منزلنا، على الرغم من أن البعض في منطقتي لا يتعاونون كثيرًا لرفضهم ’الطرف الآخر‘”.
ناجي: من مآسي الحرب إلى وعي اللاعنف
أما ناجي، المدرّب ومنسق برامج في منظمات مدنية، ابن الجنوب الذي عانى من التهجير 13 مرةفي حياته نتيجة الحروب المتكرّرة، فيقول: “الحرب ليست لنا، بل هي قرارات تُتخذ من فوق. نحن الحلقة الأضعف في هذا النزاع”. ويؤكد: “في حرب تموز 2006، حرب اسرائيل على لبنان وعلى حزب الله، كانت أصعب تجربة لي، لأنني لم أعد أشعر بالأمان. لكنني في عمق ذاتي قررت أن لا أخاف”. يشدّد ناجي على أهمية التعلم من هذه التجارب: “ابتعدت عن الإيديولوجيات، خاصةً التي تنادي بالعنف، وآمنت بالإنسان”.
ميرنا: الأمل في اللاعنف
ميرنا، التربوية من الجنوب، التي بقيت في منطقتها الحدودية، تتحدث عن الأثر المدمّر للحرب: “أشعر بحزن كبير عندما أرى الناس مشردين من بيوتهم. كل ذكرياتهم وأحلامهم راحت بلحظة”. لكنها تؤكد أن الأمل موجود: “في بلدتها حاصبيا، فتح الناس بيوتهم للنازحين مجانًا، ما يبرز إنسانيتنا حتى في ظل الظروف القاسية وربّما أيضًا الانقسامات السياسية”. وهي ترى أن “اللاعنف وحده يعيد الأمل في المستقبل”.
أصوات عفويّة من مناطق متنوعة في لبنان، تحدثت عن الألم والمعاناة، لكنها أكدّت أيضًا أن الأمل لايزال ممكنًا. في عالم تتكرر فيه الحروب، يبقى الخيار الأمثل هو التمسك بإنسانيتنا، والعمل والنضال من أجل أن لا نترك “قوى الموت”، كما أسماها المفكّر اللاعنفي وليد صلَيبي، هي التي تدير حياتنا. لنستمع إلى مثل هذه الأصوات، فليس صوت العنف وحده في الميدان.
ثناء الهنود رياشي
من لبنان.مُجازة في العلوم من الجامعة الأميركية في بيروت. عملت لسنوات طويلة في إعداد وتقديم البرامج الإعلاميّة. أسّست محطة Mariam TV التي تعنى بكرامة المرأة، وأدارتها لمدّة ستّ سنوات. حاليًا تُنجز أطروحة الماستر في جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان AUNOHR.