في 22 أغسطس/آب، أعلنت محكمة الاستئناف في باريس مرة أخرى عدم قبول الاستئناف اليائس المقدم من الناشطة والصحفية الفيتنامية–الفرنسية تران تو نغا ضد 14 شركة مسؤولة عن إنتاج المبيد “العامل البرتقالي“.
تم رش هذا السم بين عامي 1962 و1971 من قبل الجنود الأمريكيين على الغابات الفيتنامية خلال حرب فيتنام (1959-1975)، مما أسفر عن كارثة بيئية هائلة الحجم، ولا تزال عواقب تأثيراتها تتجلى حتى اليوم على صحة الجيل الرابع.
تران تو نغا، مثل ملايين الفيتناميين، هي إحدى الضحايا المصابين بالأضرار الجانبية اللاعَكوس جراء العامل البرتقالي، وللمرة الثانية بعد عام 2014، رفعت دعوى قضائية ضد 24 شركة مصنعة للمبيد للمطالبة بتعويض عن الأضرار التي لحقت بعائلتها، وخاصة بابنتيها الناجيتين التين تعانيان من أمراض ناجمة عن التلوث ب”العامل البرتقالي”. ولكن رُفضت الدعوى في عام 2021 بذريعة أن هؤلاء المصنعين كانوا يتمتعون بحصانة قانونية، بحكم عملهم لدى حكومة ذات سيادة، فلم يكن من الممكن ملاحقتهم ولا تحميلهم مسؤولية المأساة التي تسبب فيها المبيد بحق الشعب الفيتنامي.
صُنع العامل البرتقالي، أحد أكثر المكونات الكيميائية سُمية، بطلب من وزارة الدفاع الأمريكية لتنفيذ تجفيف كامل لأكثر من 4,5 مليون هكتار من الأراضي الفيتنامية التي كانت، بفضل ثرائها النباتي، ملاذًا للفيت كونغ، وهم القوات المسلحة الشعبية لتحرير فيتنام الجنوبية، والتي حاربت من أجل استقلال البلاد. لقد تمت الموافقة على استخدام هذا المبيد شديد السمية، إضافة إلى النابالم، من قبل رئيس الولايات المتحدة جون كينيدي في عام 1961، وقد تم تصميم العامل البرتقالي عمدا من أجل الحملة العسكرية المسماة “رانش هاند”. بالقيام بذلك، قامت القوات الأمريكية بتصحير مساحات شاسعة من خلال رش هذا المبيد، لكن ليس ذلك فحسب، بل قامت كذلك بتسميم الحصاد، مما أدى إلى إجبار مدنيي قرى كاملة على مغادرة هذه المناطق، حيث كانت المقاومة الفيتنامية تقوم بعملياتها، وعلى انتقالهم إلى المنطقة المسيطر عليها من الغربيين. ولكن من خلال ماء الأنهار، انتشر الثلوث على مناطق واسعة، مما أدى إلى “إبادة البيئة” والموت وأمراض مستعصية – مثل عُدّ كلورِيّ المنشأ – عند كل الأشخاص الملوَّثين، وكذلك إلى أمراض جينية وتشوهات عند الرضع.
من بين المنتجين الرئيسيين للعامل البرتقالي كانت هناك شركات مثل داو كيميكال ومونسانتو ودايموند شامروك وهيركوليس وونيرويال وثومسون كيميكالس. في شهر مارس/آذار عام 1965، عقدت شركة داو كيميكال اجتماعًا سريًا ضم جميع المصنعين، حيث ناقشوا بشكل واسع النطاق تدني جودة المنتج من حيث نقاء التركيبة الكيميائية، وبالتالي ارتفاع سميته. ولكن تم تجاهل هذه المعلومات عمدا.
وكانت سمية هذا المبيد معروفة في الأوساط العسكرية الأمريكية، لكنهم قد فضلوا تجاهل توصيات المصنعين وزيادة جرعة الديوكسين ثلاث مرات، مما جعلها مميتة.
قال الدكتور جايمس كلاري، عالم سابق كبير في قسم الأسلحة الكيميائية التابع لمختبر تطوير أسلحة القوات الجوية بولاية فلوريدا: “عندما أطلقنا برنامج مبيدات الأعشاب في الستينيات، كنا ندرك الضرر المحتمل الناجم عن تلوث مبيد الأعشاب بالديوكسين. كنا ندرك كذلك أن التركيبة العسكرية كانت تحتوي على تركيز أعلى من الديوكسين مقارنة بالنسخة المدنية، نظرا لانخفاض التكلفة وسرعة الإنتاج. ومع ذلك، لأن المادة كانت ستستخدَم ضد الأعداء، لم يتردد أي منا في استعمالها.”
اليوم، يُقدر أن ما لا يقل عن 3 ملايين فيتنامي تعرضوا للديوكسين، ويتحدث بعض الخبراء عن 4,5 ملايين شخص، من بينهم تأثر حوالي 150.000 طفل. بعد دراسات كثيرة أجريت على الديوكسين، اكتشف الباحثون أن الآثار الضارة لا تزال حاضرة بعد 40 سنة، حيث أن الأراضي لا تزال ملوثة بالمبيدات. وحتى اليوم، يولد الكثير من الأطفال في فيتنام بتشوهات وأمراض جينية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تُرفع فيها دعاوى تعويض لضحايا فيتنام ضد الشركات متعددة الجنسيات المتورطة في هذه الجريمة الحربية. ومع ذلك، مقارنة بالدعاوى التي رفعها قدامى المحاربين الأمريكيين والكوريين ضد الولايات المتحدة والمنتجين بناءً على التقرير المتعلق بالآثار الجانبية للعامل البرتقالي والتي فازوا بها في السبعينيات والثمانينيات، فإن أولى الانتصارات التي سجلها أشخاص من الجنسية الفيتنامية للحصول على تعويضات عن الأضرار الصحية الناجمة عن المبيد والاعترافات الرسمية بالعامل البرتقالي كسلاح بيولوجي من قبل الولايات المتحدة لم تحدث إلا منذ عام 2007. أما مسؤولية الشركات متعددة الجنسيات تجاه المواطنين الفيتناميين، فلا تزال غير واضحة.
لهذا السبب، تستمر تران تو نغا، التي تخرجت بكلية الكيمياء وكانت مناضلة حركة فيت كونغ التحريرية وسجينة سابقة، وعمرها اليوم 82 سنة، في النضال من أجل عائلتها وشعبها، بفضل دعم الحكومة الفيتنامية وجمعيات مثل الجمعية الفيتنامية لضحايا العامل البرتقالي والديوكسين (VAVA).
للمزيد من المعلومات، يمكن زيارة موقع الناشطة تران تو نغا: https://nga-orange.org/