بقلم د.ميلاد جبران  البصير

الجاليات الفلسطينية في أوروبا من الشعارات الى برامج حقيقية للتأثير على سياسة دول الاتحاد الاوروبي منفرده وعلى سياسه الاتحاد الاوروبي ، يمكننا القول هجره المواطنين الفسطينينين في القرن الماضي الى الدول الاوروبية تعود بشكل عام الى ثلاثه اسباب لا رابع لهما وهما:

١- بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في عام ١٩٤٨ وفي عام ١٩٦٧ ومن خلال تهجير آلاف المواطنين الفلسطينين قسوة الى الدول العربيه المجاوره ، قسم منهم توجه الى دول الاتحاد الاوروبي مطالبين اللجوء السياسي وهكذا استقروا في هذه الدول.

٢- خلال سنوات الاحتلال الطويلة بسبب إغلاق الجامعات الفلسطينية من قبل الاحتلال وبسبب عدم توفر الكليات العلمية بفلسطين المحتلة اعداد لا بأس بها من الشباب الفلسطيني الطامح توجهوا الى اوروبا بحثا عن العلم والتحصيل العلمي وبشكل خاص في بعض الكليات، وعلى سبيل المثال كليات الطب، الصيدلة ، الهندسة الخ ،فمنهم من عاد الى ارض الوطن بعد التخرج ومنهم من استقر بهذه الدول وما زال يعمل ويعيش بها.

٣- اما القسم الثالث والأخير فهو الأقل عددا حيث بسبب قسوة العيش تحت الاحتلال وبسبب البحث عن خيار ومستقبل لهم ، اعداد من الشباب الفلسطيني توجهت الى اوروبا منذو بدايه هذا القرن بحثا عن فرص العمل والتوظيف ،وهكذا حصلوا على اقامات للعمل حيث يعملوا ويعيشوا في هذه الدول.

يمكن ايضا تقسيم المهاجرين الفلسطينيين  الذين يعيشون في دول الاتحاد الاوروبي وهذا ينطبق على ايطاليا ايضا  بشكل عام طبعا وهذا ينطبق على الجاليات الفلسطينية الى خمسة أقسام وهي

١- القسم الاول والذي نسميه مندمج في المجتمع المدني الاوروبي حيث تعلم اللغة والعادات وتقاليد البلد التي يعيش بها واصبح جزء لا يتجزأ من المجتمع الاوروبي يشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بشكل فعال، فنجده مشارك في احدى الأحزاب السياسية وفي احدى النقابات العمالة ويمارس حقه في الانتخابات المحلية والبرلمانية بشكل إيجابي.

٢- القسم الثاني هو عكس القسم الاول فهذا القسم من المهاجرين موجودون في اوروبا فقط جسديا حيث انهم يرفضون وبشكل مسبق حتى فكره الاندماج والتعرف على المجتمع الاوروبي لذلك ينطون على بعضهم البعض، فنجدهم لا يدركون لغه البلد التي يعيشون بها ولا عاداته ولا تقاليده ، يعيشون منعزلين على أنفسهم ويعتبرون أنفسهم غرباء ويرفضون طرح او فكره الاندماج الاجتماعي والثقافي في البلد التي يعيشون بها لان هدفهم الأساسي هو كسب المال فقط، كأنهم يقولون وبطريقة صريحة وصادقة وأمينة : نحن موجودون هنا لجمع اكبر عدد ممكن من المال لاننا نريد العوده الى الوطن الام لذلك لا تحظى اهتمامهم ما يحدث البلد التي يعيشون بها لانهم يعتبرون وجودهم مؤقت لذلك يعرفون مكان العمل والطريق المؤدية اليه ويعرفون جيدا مركز المدينة التي يعيشون بها.

٣- الشريحة الثالثه هي مكونة من المواطنين الأجانب االذين لم يحالفهم الحظ في هجرتهم العملية او الدراسية

فنجدهم بدون اي شهاده جامعية، وبدون اي عمل رسمي حيث يعيشون بعزلة تامة عن المجتمع الذي يعيشون به لانهم يبررون فشلهم او عدم نجاحهم في هجرتهم هو البلد المضيف وسياسته العنصرية ضد الأجانب لذلك يتمسكون وبشده  في الدين فنجدهم يملؤون المساجد، يرفضون المخالطة مع المجتمع المدني ، لا يتقنون لغة البلد ولا يعرفون اي شيء عن تركيبة المجتمع الذي يعيشون به ولا يفقهون شيء عن سياسه البلد ، فهم يعودون الى الماضي البعيد حيث لا يمكنهم العودة الى الوطن الام بسبب عدم نجاحهم لكي لا نقول فشلوا فليجؤون الى العامل الديني ، مع العلم ان إعداد كبيرة من هذه الشريحة الاجتماعية نجدها لم تكن تُمارس ابدا الشعائر الدينية في الماضي في الوطن الام اي قبل هجرتها.

٤- الشريحة الاجتماعية الرابعة هي عكس ما سبق حيث ان هذا القسم من المهاجرين حالفهم الحظ في هجرتهم فنجدهم منهم الأطباء والمهندسين والصيادلة والاقتصاديين ، يعملون في مؤسسات حكومية او شبه حكومية لديهم بيوتهم ملكيه وليس في الاجار يعيشون بمستوى متوسط وعالي ، هذه الشريحة تمجد وتعشق اذا صح التعبير البلد الاوروبي التي يعيشون بها حيث يعتبرون أنفسهم أوروبيين حتى انهم في الكثير من الأحيان يتصرفون باوروبية اكثر واقوى وأشد من الأوروبيين أنفسهم ، يعيشون لوحدهم ولا يخالطون المهاجرين حتى أبناء بلدهم ، طبعا يفقدون اي علاقه او اتصال مع اصولهم ووطنهم الام او بصريح العباره يحاولون ان ينسوا  ماضيهم ولغتهم وعاداتهم ويتمسكون في العادات وتقاليد البد الجديد.

طبعا وبهذه الصوره يتضح للجميع مدى ومستوى معرفتنا في تركيبة المجتمعات المدنية الاوروبية ، دور ونشاطات الأحزاب السياسيه بجميع مكوناتها وتوجهاتها اليساريه واليمينيّة ، دور ومدى وتأثير نقابات العمال والموظفين في الحياه الاجتماعية والسياسية ، مدى تأثير الكنيسة وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات الشبابية والتطوعية ، دور ونشاطات المنظمات النساءيه الخ.

يصبح واضح للجميع مدى وعمق معرفتنا في مكونات وتركيبة المؤسسات الاوروبية وكيفية اتخاذ القرارات

بهذه المؤسسات ، نفس المقياس يتم تطبيقه على الدولة الاوروبية التي يعيش بها المواطن المهاجر وعلى احسن الأحوال يمكنني القول ان مدى معرفتنا في المجتمعات التي نعيش بها ليس متساوية للاسباب التي ذكرتها سابقا.

من هذا المنطلق ولكي نكون على مستوى التحديات الملقاه على عاتقنا في هذه المرحلة التاريخية ولكي نستطيع ان نبلور برامج سياسيه داعمة لقضيتنا الفلسطينية وعرضها على صناع القرارالسياسي في الدول الاوروبية منفرده وعلى الاتحاد الاوروبي بكل مؤسساته ، لكي نشكل لوبي ضاغط على الأحزاب والحكومات والمؤسسات الاوروبية يتوجب علينا وقبل كل شيء ان نأهل كوادر الجاليات ونقوم في تعميق معرفتنا في المجتمعات التي نعيش بها لان هذا يمثل قفزة نوعية ننتقل بها من مرحلة رفع الشعارات الى مرحلة بلوره الخطط والبرامج الفسطينية على الساحة الاوروبية وكيفية التعامل مع صناع القرار في اوروبا لما هو داعم ومؤيد لقضيتنا العادله وعكس ذلك.

٥- الشريحة الخامسه وهي يمكن وصفها في ذلك المهاجرين اللذين كانوا من النشطاء سياسيا وثقافيا خلال فتره شبابهم او خلال مرحلة الدراسة الجامعية ولكن لأسباب لا نريد الخوض بها الان ، اصبح عندهم احباط كامل وشامل حيث انهم هجروا الساسية والسياسيين والتنظيمات والأحزاب السياسية ، هذه الشريحة لا بأس بها في جالياتنا الفلسطينية في جميع دول الاتحاد الاوروبي ويمكن القول في انها الأكثر تسيسا وسياسه حيث انها مندمجة في المجتمع الاوروبي بشكل جيد.

وعكس ذلك اعتقد اننا سنبقى في مرحلة الشعارات والاحتفالات في احياء العديد من الذكريات والتي هي ايضا

مهمة للغاية ولكننا اليوم نحن في امس الحاجة للقيام في هذه القفزة النوعية اضافة لذلك نحن في امس الحاجة لاختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن الانتماء السياسي والحزبي لاننا اليوم علينا مسؤوليات تاريخية ويتوجب علينا ان نتحملها لان التاريخ والأجيال القادمه سيقولوا كلمتهم.


الدكتور ميلاد جبران البصيركاتب واعلامي ايطالي /  فلسطيني  خبير في شؤون الهجره والمهاجرينوعضو سابق في اللجنة الاقليمية  التابعة  لاقليم اميليا رومانيا والمتخصصة  في دراسة طلبات اللجؤ السياسي