مرت العلاقات الفلسطينية الايطالية بمراحل تاريخية عدة، وكانت في اوجها القرن الماضي حيث كانت تتصدر المشهد الايطالي الاحزاب السياسية التقليدية مثل الحزب المسيحي الديمقراطي الاحزاب اليسارية والاشتراكية وخاصة الشيوعي الايطالي والذي كان أكبر حزب شيوعي في اوروبا الغربية مستذكرين علاقات التعاون والدعم والصداقة بين الرئيس الراحل ياسر عرفات وامين علم الحزب الي انريكو بيرلينجوير.

كما ان العلاقة مع إيطاليا تلك انعكست إيجابيا على مواقف دول الاتحاد الأوروبي والذي تجلى في اجتماعه السنوي المنعقد في مدينة البندقية عام 1980 برئاسة ايطاليا وفيه تم تبني اهم مرسوم وقرار متعلق بفلسطين والمعروف بوثيقة البندقية والتي فيا يتم الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هذا كان حجر الزاوية في العلاقات الايجابية بين ايطاليا والقضية الفلسطينية ومنها الى دول الاتحاد الاوروبي دون استثناء.

بعد عامين من تبني وثيقة البندقية تم دعوة الرئيس عرفات لزيارة ايطالية رسميا حيث التقى في رئيس الجمهورية الاشتراكي سناندرو بيرتيني في قصر الكويرينال، والتقي رئيس الحكومة آنذاك والقى كلمة في البرلمان الايطالي تخللها التصفيق المستمر حيث كان التضامن الايطالي الحكومي والشعبي في ذروته، حيث سمح لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية وبطريقة خاصة من الناحية البروتوكولية والرسمية ان يدخل البرلمان في حالة نادرة تاريخية.

رغم عضوية ايطاليا الى حلف شمال الاطلسي وتحكمها بطريقة شبة متواصلة الاحزاب المعتدلة مثل الحزب الديمقراطي المسيحي كان لها دور حساس ومهم حكوميا وشعبيا ونقابيا من الناحية التضامنية مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة والجميع يتذكر الاتفاق غير المكتوب بين ابو عمار ووزير الخارجية الايطالي السابق والمعروف في اتفاق مورو حين كانت ايطاليا تمثل مركز حيوي وجسر التواصل بين اوروبا الشرقية والغربية وللأسف كانت ايضا مسرح للادعاءات والاغتيالات لشخصيات فلسطينية على اراضيها مثل الشهيد ماجد ابو شرار وغيره.

ان دور منظمات المجتمع المدني والشعبي والمنظمات النقابية كانت في غاية الاهمية حيث المشاريع التضامنية  مع الشعب الفلسطيني اتحاد نقابات العمال بفلسطين والمبادرات شبة اليومية والمسيرات المنظمة والمليونية في كثير من الحالات في العاصمة روما  اضافة الى الاعتراف الرسمي من قبل  المؤسسات الحكومية في حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره حيث  كانت إيطالية من اوائل الدول التي فتحت بها مكتب تميل لمنظمة التحرير الفلسطينية  والجميع يذكر رئيس الجمهورية الاشتراكي ساندرو بيرتيني وفي خطابة  في راس العام  لتقديم التهاني للشعب الايطالية حين قال: في الماضي كان الاسرائيليون مطاردون والان لديهم دولة والمطاردون  والمضطهدون هم الفلسطينيون وحق مقدس وشرعي ان يكون لهم دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني كما نتذكر رئيس الحكومة الايطالية جوليو انديريوتي بعد زيارة مخيم الوحدات في ثمانينات الفرن الماضي عندما وجه له بعض الاعلاميين انتقادات فكان جوابة “بودي ان اراكم انتم في حال انكم تولدوا وتترعرعوا في مخيمات  دوان امال ماذا تصبحون حمامات سلام ؟

اضافة الى هذه الارضية الخصبة والحاضنة الشعبية ثقافيا وسياسيا واجتماعيا كان لدور منظمة التحرير وفي تحت قيادة ممثلها هنا في العاصمة روما الشهيد المرحوم والاخ العزيز نمر حماد رحمة الله والاخوة الاصدقاء الاعزاء علي , رشيد ووسيم دماش ولا يمكننا ان نتجاهل دور الطلاب والجالية الفلسطينية والمنظمات الطلابية الفلسطينية آنذاك حيث لعبت دورا ذات اهمية تاريخية في تعميق وترسيخ العلاقات الثنائية و التضامنية والمساندة للشعب الفلسطيني.

حيث وجود الطلاب والجالية الفلسطينية هنا في هذا البلد يعود الى ستينات القرن الماضي فهو وجود عريق ومثقف ونوعي حيث ان وجودنا مرتبط في الدراسات الجامعية ونجد اليوم الاف الفلسطينيين الادباء والصيدليين والكوادر الطبية والاقتصاديين ورجال الاعمال والنقابيين والاعلاميين وما زال يمثل هذا حجر الزاوية في هذه العلاقات الثنائية.

في 14 يوليو لهذا العام مر على وجودي هنا والذي هو بلدي ايضا اربعون عاما لذلك حيث درست، وتخرجت وتخصصت وعملت ككادر نقابي وكاتب واعلامي ومترجم عشت اللحظات الجميلة في العلاقات الثنائية بيننا وبين المؤسسات والمجتمع المدني الايطالي والنقابي وذلك اللحظات الاقل جمالا والاقل حيوية في هده العلاقات والتي هي الان بتقديري انها في الحضيض وعلى جميع المستويات وخاصة الحكومي وليس الشعبي والأسواء يتعلق بالجالية الفلسطينية نفسها

على المستوى الحكومي وللأسف الشديد بعد ولادة احزاب جديدة ومنظمات سياسية لا تعرف الكثير عن مسيرتنا النضالية ولا عن قضيتنا العادلة لذلك اليوم موقف الحكومة الايطالية والاحزاب التي يتكون منها الائتلاف الحالي ليس فقط غير داعم ومساند كما كانت الحكومات السابقة واليوم نشعر بالشوق والحنين لتلك الحكومات ولتلك الاحزاب.

وعلى الصعيد  الشعبي والمجتمع المدني والعلاقات النقابية فان الوضع لا يختلف كثيرا فالعلاقات مع اتحاد نقابات العمال الفلسطينيين كانت في اوجها حيث كانت النقابات الفلسطينية حاضرة وعلى جميع المستويات والفعاليات ومن خلال ايضا عمل المشاريع التضامنية لدعم صمود الشعب الفلسطيني اليوم غائبة ولم الاحظ نشاطات او اي محاولة لترميم او اعادة هدة العلاقات مع اتحادات النقابات الايطالية و المستوى الشعبي يمكنني القول ان الشعب الايطالي متضامن وداعم للقضية الفلسطينية  رغم الجمود الذي حدث من المستويات الرسمية الفلسطينية على مدار العديد من السنوات السابقة حيث تجاهل هذا الدعم والتضامن مما ادى الى النسيان في كثير من الاحيان حيث تم الاعتقاد ان القضية الفلسطينية تم حلها  ان من حافظ وساعد على بقاء القضية الفلسطينية في ذاكرة الشعب الايطالي هو المستوى الشعبي الفلسطيني حيث ان الاف من ابناء جاليتنا الفلسطينية  وبحكم  عملهم ونشاطهم وانتمائهم وحبهم لوطنهم هو العامل الوحيد الذي ساعد في الحفاظ على روح التضامن الشعبي مع قضيتنا العادلة وتم ملاحظة ذلك في المسيرات والمظاهرات والاف المبادرات التي تم تنظيمها هنا لوقف اطلاق النار وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وقيام دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.

ووضع الجالية الداخلي لا يحسد عليه لأننا ورغم المناصب والمراكز العملية والاجتماعية والتقنية التي يحظون بها ابناء جاليتنا الفلسطينية والتي هي شبة نادرة على مستوى الجاليات الاخرى غير اننا ليس موحدين وتعم روح الاحباط وهذا يضعف من قوتنا وامكانياتنا في التأثير على صناع القرار وعلى الرأي العام الايطالي لاعادة قضيتنا على سلم الاولويات لدى الحكومة الايطالية والاحزاب والمنظمات السياسية واتحادات نقابات العمال وعلى الصعيد الشعبي ايضا.

 ان الامور زادت تعقيدا بعد السابع من اكتوبر حيث ان المستوى الرسمي الفلسطيني التزم الصمت وابناء الجالية تعرضوا مثلهم مثل الجاليات الفلسطينية في اوروبا لمزيد من العزلة والحصار السياسي والشعبي والاعلامي فلم يكن من السهل على ابناء الجالية الادلاء في آرائهم وقول قصتهم فكان الفلسطيني تصفه وسائل الاعلام في الارهابي.

لأسباب عديدة ليس من الصعب فهمها كثير من ابناء الجالية في الاشهر الاولى التزموا الصمت لان الظروف لم تكن سهلة وقلائل هم اللذين تحدوا العزلة الاعلامية والقرار السياسي وخرجوا بقوة وزخم ينظمون ويشاركون في المؤتمرات ويكتبون المقالات في الاعلام الايطالي ويشرحون قضيتهم للرأي العام الايطالي متحديين ومخاطرين بأنفسهم ووظائفهم.

يمكن القول ان الدبلوماسية الشعبية والفردية لأبناء الجالية ومن منطلق حبهم وانتمائهم لفلسطين هي التي احيت واعدات زخم القضية في الساحة الايطالية فالشكر لهذه الكوادر والشخصيات وللجيل الجديد الفلسطيني الذي ولد وترعرع هنا في هذا البلد الجميل اللذين بتضحياتهم وفي تصميمهم وارادتهم اعادوا القضية الى الصفحات الاولى في الاعلام الايطالي وهكذا يمكننا القول اننا خرجنا من النفق.

الان وبعد هدة التضحيات والمخاطر التي عاشها البعض يتوجب علينا ان نحافظ على هذا الزخم ويتوجب ايضا على الدبلوماسية الرسمية اعادة النظر وبناء العلاقات مع الاحزاب الجديدة والحركات الشعبية لمحاولة تغيير وجة نظر الحكومة بخصوص قضيتنا وعدالتها ومحاولة ترميم العلاقات مع اتحادات العمال النقابية لان لها دور حيوي في تكوين الرأي العام الإيطالي.

توحيد ورصد الصفوف من الناحية الشعبية والرسمية نحو الهدف الاساسي ليس فقط ضروري بل طارئ ايضا لان الشعب الايطالي ومؤسساته داعم ومتضامن مع قضيتنا ويعتمد علينا جميعا كل فرد من مكانه مسؤولية ان يقوم بواجبه بغض النظر عن انتمائه الحزبي لان ما يجمعنا هي فلسطين.

وبكل فخر واعتزاز اقول كنت من اوائل ابناء الجالية على المستوى الايطالي والاوروبي في مواجهة التحديات بصدر عاري مشاركا في المؤتمرات والندوات النقابية والمجتمعية والطلابية وعلى مستوى المدارس والجامعات وفي الاعلام كنت اول من نشر المقالات المتعلقة في الظلم الذي يعيشه شعبنا منذ عقود وما يتعرض له من ظلم واضطهاد.

لم يكن سهلا لكن لا يمكننا الصمت والهروب لأننا اذا نطلب من المجتمع الايطالي الوقوف معنا ومساندتنا لذلك أملنا ان نرتقي الى المستوى الذي يليق بنا كأبناء الجالية الفلسطينية لدينا دور حيوي وفعال وفي غاية الاهمية كما اتأمل ان تلعب الدبلوماسية الرسمية الدور الذي يليق بها.

ان وقوف ومساندة الطلاب والطالبات ومنظمات المجتمع المدني في اوروبا وفي امريكا وايطالية بجانب القضية الفلسطينية والحراك الشعبي اليومي بعكس مجتمعاتنا العربية والاسلامية للأسف يوجب الإسراع في اعادة ترميم وبناء العلاقات التاريخية الرائعة والتضامنية التي تربط الشعبين الايطالي والفلسطيني وغيره من الشعوب.