Pax Christi- فرنسا؛ يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024

لبنان اليوم.  

تمطر القنابل سماء لبنان. حرب جديدة مع إسرائيل تجتاح معظم مناطق البلاد، مع أكثر من مليون نازح. في هذا السياق، تشارك أوغاريت يونان[1]، المناضلة ومؤسِّسة جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان (AUNOHR)، وجهة نظرها حول الوضع الحالي.

أوغاريت يونان: في ظل هذا النزاع، هل هناك من مكان للّاعنف اليوم؟

لسوء الحظ، شهد لبنان فترات عديدة مظلمة في تاريخه، وما يحدث الآن ليس صراعًا عرضيًا ومحدودًا. إنها حرب تعود جذورها وبأشكال مختلفة إلى عام 1948، وهي مرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ فلسطينية ولبنانية في المقام الأول. تتعرض مناطق مختلفة من البلاد للقصف، مع مئات القتلى من المدنيين، وآلاف الجرحى، وعشرات المفقودين تحت الأنقاض، وأكثر من مليون نازح. هذه ليست حربًا ضد جماعة سياسية، حزب الله، بل هي أوسع من ذلك، صراع تاريخي وشامل يتعلق بالمنطقة بما في ذلك لبنان.

لقد وصلت هذه المأساة إلى مستويات من الوحشية يصعب تصوّرها. وأصبحت الدعوات إلى  “وقف إطلاق النار” بلا جدوى. سوف تنتهي هذه المعركة بشكلٍ أو بآخر، لكن سوف تستمرّ اللاعدالة، ويستمرّ الحقد ويتصاعد انتقامًا وعنفًا لأجيال وبما يُشعِل العالم أيضًا.

في رأيي، ينبغي علينا ’التقاط‘ اللحظة الآن، كي نخرج، حتّى من الدمار، بأفقٍ إنساني. على السياسة أن تكون أخلاقية وفعّالية في آن واحد. كلما ابتعدت الفعالية عن الأخلاق، انحرفت نحو العنف وانشغلت في تبريره. هكذا، نجد أنفسنا اليوم محاصرين في حلقة مفرغة من العنف من جميع الجهات.

نعم للمقاومة، لا للعنف

تعكس النزاعات التي تشتعل في مناطق عديدة في العالم حالة متزايدة من فقدان عام للأخلاقية السياسية في خدمة مصالح الجشع والاستبداد. لقد قضيت أكثر من أربعين عامًا في النضال من أجل اللاعنف. إنها ثقافة قيم ونضال استراتيجي. والنضال يعني الاستعداد للعمل. إنها استراتيجية عمل أطلق عليها غاندي “المقاومة اللاعنفية”. كان شعارنا، الذي أطلقه وليد صلَيبي، المفكر اللاعنفي في العالم العربي: “نعم للمقاومة، لا للعنف”. إذًا، تسألين: ما هو مكان اللاعنف اليوم؟ يطرح علينا الكثيرون هذا السؤال، لنطرح بدورنا سؤال مهمّ: ماذا حقق لنا العنف؟ فقط من خلال اللاعنف يمكن أن يكون هناك أمل.

ومع ذلك، فإن النضال اللاعنفي لا يقتصر فقط على رفض العنف أو على أفعال جزئية أو ردود أفعال عشوائية، حتى وإن كانت نواياها حسنة. يجب أن نعدّ الخطط وننظم أنفسنا، وقبل كل شيء، أن نبتكر لإيجاد وسائل فعالة لبلوغ السلام والعدالة. الأمثلة في التاريخ كثيرة. والأمر متروك لنا لاكتشافها والاستفادة منها. بالنسبة لي، في أكتوبر الماضي، خلال الأسبوع الأول من الحرب، قمت بنشر نص استراتيجي عن “غزة” تمّ استقباله بحرارة واعتماده من قبل أفراد ومجموعات من أطراف عديدة وفي مختلف أنحاء العالم.

ما هي التزاماتكم من أجل السلام؟

إن التزامنا هو مسار حياة بدأناه منذ عام 1983، في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). قمنا بعمل رائد وحققنا إنجازات كبيرة مع الشباب والمعلمين والمدارس والعمال والمعوّقين والنساء، من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، وتغيير القوانين الطائفية، والعمل مع المجتمعات من أجل المصالحة، وبالطبع، القيام بتحركات مناهضة للحرب…

لقد كان خيارًا للحياة بالنسبة لنا. ولذلك، وبعد أربعين عامًا من النضال مع رفيقي وليد صليبي (الذي غادرنا العام الماضي)، أسّسنا في عام 2009 جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان (AUNOHR)، التي حصلت على ترخيص رسمي في عام 2014. فريدة من نوعها في لبنان وعلى مستوى العالم، يمكن تلخيص أهدافها بمحورين: مأسسة اللاعنف  في تخصصات أكاديمية متعددة ومعظمها جديد، وتغيير مجتمعي محترف من أجل بناء السلام.

تُعدّ هذه المبادرة أيضًا أساس في الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية(LACR)  التي أسّسناها عام 2003، وهي من هيئات حقوق الإنسان الأساسية في لبنان. من خلال الجامعة والجمعية، نعمل على تعزيز هذه الثقافة وزرعها في نسيج المجتمع المدني. اللاعنف قوة حقيقية، وليس مجرّد كلمات.

كيف يمكننا أن نساعد في فرنسا؟

أقدّر بشدة شراكتنا مع “باكس كريستي الدولية” و”باكس كريستي فرنسا”، التي بدأت منذ التسعينيات. لدينا أيضًا العديد من الشركاء في مجالات اللاعنف والتنمية في فرنسا. ما يهمنا هو تعزيز الصداقة والشراكة. كيف يمكن التحرّك في فرنسا أو في أي مكان آخر في أوروبا، مثلاً، دون تقديم “دروس” للآخرين؟ أرى أنّ الأهم هو أن يبقى الإنسان ملتزمًا بالأخلاق الإنسانية، وبالتالي، بالعدالة لصالح المظلومين. في هذا السياق، إذا لجأ المظلوم إلى العنف من أجل التحرّر والمطالبة بحقوقه، لا نبرّر أيّ عنف من جهتنا، لكن لا نستطيع أيَضًا مساواة عنف المظلوم بعنف الظالم. في حالة الظلم، يكون الظالم هو من بدأ بالظلم، من هنا لا يمكن المقارنة بين الجانبين. أن تكون مع السلام يعني أن تكون مع العدالة؛ والسلام لا يمكن تجزئته.

على مستوى آخر، من الضروري أن نحصل على معلومات موضوعية لفهم ما يجري. الأمور معقدة ومتشابكة، ويجب علينا البحث عن الحقيقة. وهذا جزء من مسؤوليتنا الفردية. على سبيل المثال، يجب ألا نكتفي بما يُبث في وسائل الإعلام المعتمدة، حيث الأخبار والتحليلات في معظمها مضلّلة أو منتقصة. هناك لحسن الحظ وسائل إعلام حرة، مثل “بريسنزا” Pressenza، الوكالة الإيطالية البديلة من أجل اللاعنف والسلام، التي أبرمت جامعتنا معها اتفاقية تعاون وتمّ نشر مقال حول هذا الموضوع في 2 أكتوبر الحالي. إنّها وكالة بعدّة لغّات، بما في ذلك اللغة العربية التي أُضيفت مؤخرًا.

لقد مضى للتوّ 2 أكتوبر، وهو اليوم الذي تمّ اختياره ليكون اليوم العالمي للّاعنف إحياءً لذكرى غاندي في تاريخ ميلاده. ومنذ عام 2016، أصبح هذا التاريخ أيضًا يومًا وطنيًا لبنانيًا لثقافة اللاعنف بفضل مبادرة جامعتنا. إنه يوم مميز لنشر هذه الروحية. لا تنسوا ذلك.

اليوم، ما هي أشكال التضامن التي تتمظهر على الأرض؟

على المستوى المحلي، يتشكّل التضامن بشكل عفوي بين الجيران وأفراد المجتمع، لكننا نفتقر إلى كل شيء. الاحتياجات ضخمة. تحاول الجمعيات والأفراد والمنظمات جميعًا القيام بشيء ما. ولكن في مواجهة هذه الحالة الطارئة، نحتاج إلى الموارد المالية لشراء الحاجات الأساسية. في هذا السياق، أطلقت جمعيتنا نداءً دوليًا لجمع التبرعات.

« لعلّ ثقافة اللّاعنف تستطيع في النهاية أن تخترق ذاك الغلاف الكثيف من الغيوم الحالكة التي تحاصرنا في سجنٍ من القلق والعنف والعبثية كي نستعيد التواصل مع شمس لا تيأس من مناداتنا كل صباح»

المفكِّر وليد صلَيبي، رسالته الأولى إلى AUNOHR 2009.

أجرت المقابلة: مارين دو فانساي  Marine de Vanssay

نداء للتبرّع

يشهد لبنان أزمة غير مسبوقة منذ بدء التصعيد العسكري وازدياد القصف على عدة مناطق لبنانية، ممّا اضطر أكثر من مليون شخص من جنوب لبنان والبقاع وضواحي بيروت، إلى ترك بيوتهم والنزوح إلى أماكن أكثر أمنًا. يعيش هؤلاء النازحون في ظروف قاسية، فالعديد منهم لا يجدون ملاذًا آمنًا، حيث تستضيف المدارس جزءًا منهم، بينما اضطر آخرون للعيش في الشوارع، بعيدًا عن أي أمل أو دعم. استجابةً لهذه الكارثة الإنسانية، تُنظم الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية (LACR) حملة لجمع التبرعات لدعم النازحين ولتلبية احتياجاتهم الأساسية. إن مساهمتكم ستكون لها تأثير كبير، حيث ستساعد في توفير الغذاء، والمأوى، والرعاية الصحية الضرورية.

دعونا نتّحد في هذه اللحظات العصيبة، ونعبر عن إنسانيتنا من خلال الدعم والمساعدة.

مع جزيل الشكر لتضامنكم.

المنسّقة، هلا بو علي

للتواصل : info@houkoukmadania.org; university@aunohr.edu.lb; hala.abouali@chaml.org

للتبرعات: يرجى التواصل مع Pax Christi France

عبر البريد الإلكتروني: accueil@paxchristi.cef.fr

الهيئة اللبنانية للحقوق المدنيّة LACR

تُعدّ الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية واحدة من أبرز المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في لبنان، وقد تأسّست في عام 2003 كامتداد لجهود بدأها، منذ عام 1983 خلال فترة الحرب الأهلية، المفكرّان والمناضلان اللاعنفيّان، وليد صلَيبي وأوغاريت يونان.

تتميز الهيئة بخبراتها وابتكاراتها في مراحل النزاع والسِلم، وتعمل بشكل فعّال مع الشباب والعمال والمعلمين والمعوّقين والنساء، كما تتعاون مع المدارس العامة والخاصة والمجتمعات المحلية لتعزيز الحوار والمصالحة، وتغيير القوانين الطائفية. وقد أنشأت عدة مبادرات وحركات، نذكر منها:

بيوت اللاعنف، اللاطائفيّة، الديمقراطية (بِلاد).

شباب مواطنون لاطائفيون لاعنفيون (شمل؛ حركة سياسية).

أمهات لاعنفيّات (أمهات للسلم الأهلي ورفض الحرب).

مركز التدريب المستمر (يُعتبر صلَيبي ويونان من الرواد في مجال التدريب التفاعلي في لبنان).

الحملة الوطنية لإلغاء عقوبة الإعدام في لبنان منذ عام 1997. الهيئة عضو في “التحالف العالمي لإلغاء عقوبة الإعدام” (WCADP) وقد حصل صلَيبي ويونان باسم LACR على جائزة الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان عام 2005.

الحملة الوطنية للأحوال الشخصية المدنية في لبنان منذ عام 1998.

وفي عام 2014، استطاع مؤسّسا الهيئة تحقيق حلمهما بإنشاء جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان (AUNOHR، شهادات بمستوى ماستر ودبلوم)، والتي تُعتبر فريدة من نوعها في لبنان والعالم.

[1]  أوغاريت يونان ووليد صلَيبي حازا جائزة غاندي العالمية لعام 2022.