دعوتُه في 10 كانون الأول سنة 1997، إلى حفل توقيع كتاب «عقوبة الإعدام تقتل» لوليد صليبي، في إطار معرض الكتاب العربي والدولي في بيروت، فلبّى باهتمام لافت. كان قد بنى موقفه المناهض للإعدام، إلّا أنّه، كما قال لي، كان لا يزال يبحث… وقد وجد في كتاب صلَيبي أجوبة سندت موقفه الحاسم، الذي أظهره إلى العلن رسميّاً حين امتنع عام 2000 عن توقيع مرسومَي تنفيذ حُكم إعدام بحقّ شابّين. شكّل ذلك ظاهرة فريدة لأداء رئيس حكومة في لبنان. ومنذ ذلك الحين، بات الرئيس الراحل سليم الحص من الشخصيّات السياسيّة الشريكة في الحملة الوطنيّة من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في لبنان التي أسّسناها، صلَيبي وأنا، بداية عام 1997. وكان يردّد دوماً أنّه لم يفعل سوى «تغليب ضميره»، تماماً على غرار ما كتب ونظّر له المفكِّر هنري ثورو الذي قال إن «الضمير هو القانون الأعلى، وفي حال تعارض القانون الأعلى مع القانون الوضعي الذي ينصّ على العنف، يصبح من واجبنا عصيان الثاني والتطابق الإرادي مع الأول. يصبح العصيان واجباً أخلاقياً وسياسياً». دعوتي له في تلك المناسبة الأولى، لم تكن «بروتوكولية»، بل من منطلق فكرة استراتيجيّة أردتها آنذاك تحت عنوان «التأثير الضميري في شخصيّة سياسيّة لها صدقيّتها كي يؤثِّر ضميرها في الرأي العام». وهكذا كان.

وحين دعوتُه في 2 نيسان سنة 2011، وكانت مسيرتنا قد تلاقت وأثمرت، إلى اعتصام «خيمة الأحوال الشخصية من أجل قانون لبناني مدني – قانون الدولة اللبنانية»، لبّى الدعوة دعماً للشباب، وكان قد علِم بمشروع القانون الذي نجحت حركة «شمل» الشبابيّة في إدخاله إلى المجلس النيابي وإدراجه على جدول أعمال اللجان النيابية المشتركة… كانت تلك الخيمة الأولى التي تفترش ساحة رياض الصلح حيث نجح الناشطون في تثبيتها، بعد مواجهة شديدة مع الأمن، وبقوا فيها 11 شهراً متواصلةً رغم التهديدات والمناوشات… ولمّا بات ملحّاً وضع خيمة ثانية لاستقبال مزيد من الشباب، وكان ذلك شبه مستحيل، أتى الرئيس الحص، فأعلن المنسّق العام للحملة الوطنية للأحوال الشخصية وليد صلَيبي، في حضوره، وبعد محاولات قوى الأمن منع افتتاح الخيمة، بصوت عالٍ: «نفتتح اليوم خيمة الرئيس الحص»… فما كان من المسؤول الأمني إلّا أن انحنى قائلاً: «ومَن يستطيع بعد أن يلمس خيمة الرئيس!؟».

بين المناسبتين الأولى والثانية، كانت لنا محطّة مهمة عام 2005، وهذه المرّة في موضوع «الوحدة الوطنيّة لتحرير مزارع شبعا». في صبيحة 8 آذار 2005، رنّ جرس الهاتف في المنزل، وسمعتُ صوت الرئيس الحص يقول: «أنا معكم». كان قرأ مقالاً لنا، صلَيبي وأنا، نُشِر في جريدة «السفير» في ذاك اليوم. عاش سليم الحص حياته الخاصة وفي الشأن العام مجسِّداً الوحدة الوطنية، فالتصقت به كأنّها بالفطرة. تماماً مثلما التصقت به قضية تحرير فلسطين وجنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني. إلّا أنّ ما لفته في مقالنا كان المنطق الاستراتيجي الداعي إلى التقاط اللحظة لاستباق الانقسام الحادّ الآتي بين 8 و14 آذار. توجّهنا إلى الحص مباشرةً في مقالنا، نقترح على «منبر الوحدة الوطنية»، وهو مؤسِّسه، تنظيم اعتصام دائم تحت اسم «اعتصام الوحدة الوطنية»، يحمل شعارات التحرّر من الاحتلال الإسرائيلي كما التحرّر من الطائفيّة، مع إطلاق مسيرة التحرير المدني الشعبي لمزارع شبعا، وإنشاء «مخيم العودة» عند الحدود… إنّها برأينا واحدة من الإمكانيات الفريدة التي تؤسِّس للبنان آخر، من خلال عيش مقاومة شعبيّة مدنيّة مشتركة، لا بالسلاح ولا بصبغة فئويّة. تأييد الرئيس الحص كان لهذه الفكرة الجامعة التي تستحقّ أن نعتمد لها خيار التحرير المدني، فيخدم هذا النوع من التحرير الوحدة في هدفين جوهريّين للبنان.

أرشيف سليم الحص يُعَلَّم: الإنسان في السياسة، خطّان يلتقيان ما دام الأول يتولّى الثاني.

أوغاريت يونان
مؤسِّسة جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان AUNOHR