آلاف المهاجرين يتجمهروا أما مفوضية الأمم المتحدة للحصول علي اللجوء السياسي. القانون الجديد يفرض دفع 1000 دولار مصاريف إدارية لتقنين أوضاعهم.

أمام موقع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة كان هناك حشد من مئات الأشخاص يضم العديد من كبار السن والمرضى، مصطفين خارجها تحت شمس الظهيرة الحارقة، ينتظرون لساعات دورهم في دخول المكتب وتسجيل طلب اللجوء.

هؤلاء المئات هم البعض القليل من مئات الآلاف من الأشخاص من شرقي إفريقيا والسودان وغيرهم من الجنسيات في مصر، الذين يواجهون الآن معضلة بموجب قانون جديد أقر العام الماضي، يوجب على  جميع المهاجرين غير الموثقين أو الذين انتهت إقامتهم بـ«توفيق أوضاعهم» بحلول 30 يونيو

لا تقل تكلفة «المصاريف الإدارية» لتقنين الأوضاع عن ألف دولار، وفي خضم أنباء عن حملات اعتقال وترحيل مستمرة، يشعر المهاجرون غير الموثقين بقلق متزايد بشأن قدرتهم على العيش أو التنقل بحرية في مصر.

ويبقى خيارهم الآخر -أو الوحيد لمن لا سبيل لهم للدولارات الألف- هو التقديم على طلب لجوء. «إذا كان لدي ألف دولار، ما كنت تقدمت إلى [المفوضية]، وما كنت أبحث عن عمل»، يقول أحد السودانيين المحتشدين أمام المفوضية.

أعاد المسؤولون الحكوميون  مرارًا وتكرارًا أن الدولة تستضيف حاليًا تسعة ملايين من «ضيوف مصر» من حوالي 133 دولة، أغلبهم يقيمون منذ فترة طويلة، ولكن من بين هؤلاء يوجد فقط حوالي672 ألف شخص من 62 دولة مسجلين لاجئين في مصر. أما الباقون فقد تمكنوا من العيش والعمل في البلاد بفضل قدر من التساهل القانوني.

ذلك حتى سبتمبر 2023، عندما أقر القرار 3326 لعام 2023. قبل ذلك، لم يكن لدى مصر إطار قانوني شامل للتعامل مع المهاجرين، كما يوضح مسؤول يعمل في شؤون اللاجئين في المفوضية المصرية للحقوق والحريات مشترطا عدم ذكر اسمه.

يقول المسؤول من «المفوضية المصرية»: «صدر قرار من رئيس الوزراء وتم التصديق عليه في سبتمبر خاص بتقنين وتنظيم أوضاع المهاجرين والمقيمين غير الشرعيين. القرار ينص على نقطتين: كل الناس اللي دخلت مصر بشكل غير شرعي أو إقامتها منتهية، بخلاف اللاجئين، يروحوا يدفعوا كل واحد ألف دولار ويدفعوا الرسوم المقررة، ويجيب حاجة اسمها مستضيف مصري، بمعنى كفيل أو شخص ضامن».

ويوضح المصدر أنه بعد صدور القانون، «الدولة قامت بتمديد الفترة عدة مرات حتي 30 يونيو الماضي  وتم نشر الموضوع دا في القنوات المحلية والإذاعية».

وجاء في  بيان وزارة الداخلية الذي أعلن عن موعد 30 يونيو النهائي، أن جميع الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة للأجانب الذين لم يقننوا أوضاعهم ستتوقف إعتبارًا من أول يوليو.

عدم تمديد الموعد النهائي مرة أخرى، وضع الفئات المتأثرة بالقانون في مشكلة كبيرة، بحسب المصدر بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات.

ومع تحول الهجرة غير النظامية إلى مسألة سياسات تدار بها معركة الانتخابات في أوروبا، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تصدير إدارة الهجرة إلى دول العبور والمنشأ، وهو هدف يشكل جزءًا من الصفقة الجديدة التي تقدر بمليارات اليورو بين مصر والاتحاد الأوروبي.

وأشار مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إلى أن إحدى أولوياتهم هو مكافحة التهريب، لكن مصدر «المفوضية المصرية» بالمقابل يشير إلى أن التشريعات الجديدة الخاصة بتقنين الأوضاع قد تكون لها نتائج عكسية. حتى إذا تمكن المتقدمون من توفير المبلغ الدولاري بطريقة ما، فإن مطلب الحصول على مستضيف مصري لا يزال يمثل مشكلة كبيرة.

وترى النائبة وعضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، سهام مصطفى : «أن الهدف من القانون حصر أعداد المهاجرين في مصر». ومثلها كالعديد من المصريين الذين أصبحوا موقنين أن وجود المهاجرين في مصر يشكل أزمة كبيرة، تبدي مصطفى تشككًا من جدوى القانون.

«إحنا دولة مثقلة بالأعباء والديون، مش حمل أننا نصرف على حد ولا نشيل حد»، تضيف مصطفى، مشيرة إلى أن السودانيين والسوريين والفلسطينيين الذين هربوا من حروب بلادهم إلى مصر «مش ناويين يرجعوا».

وبينما شهدت هذه الآراء المعادية حضورًا متزايدًا على وسائل التواصل الاجتماعي خلال العام الماضي، إلا أن الإعلام المصري ساهم في مضاعفتها، حسبما يقول المسؤول في المفوضية المصرية للحقوق والحريات. «فيه نشر لخطاب الكراهية والعنصرية بشكل كبير على المستوى الإعلامي، قد أشتبه أنه ممكن يكون مقصود، مش وليد الصدفة»، يقول المصدر. شهدت عدة منصات إعلامية، بما في ذلك موقع «القاهرة 24» االذي وصفه المصدر بـ«القريب من أحد الأجهزة الامنية»، زيادة في التغطية الإعلامية التي تركز على حوادث تظهر وجود السودانيين في مصر بصورة سلبية. «يا ريت يطلع خطاب مباشر من الدولة ضد اللي بيحصل على المستوى الإعلامي»، يقول المصدر.

وتضيف مفوضية المهاجرين الأممية أنه في المدة منذ بدء حرب السودان وحتى الآن -ما يزيد عن 14 شهرًا- لوحظ ازدياد كبير في طلبات اللجوء في مصر. «سواء بسبب الحرب، بسبب القوانين اللي في البلد، بسبب أن الموارد بتاعتهم خلصت مع الوقت. لغاية النهاردة أنا عندي 657 ألف واحد متسجل مع المفوضية من 62 جنسية. قبل الحرب كانوا حوالي 288-290 ألف».

قبل اندلاع الحرب في السودان، كان هناك اتفاق قائم بين مصر والسودان يسمح لمواطني البلدين بالتنقل في ما بينهما والعمل بقدر من الحرية.

بدأت الترحيلات الجماعية للمهاجرين السودانيين الذين دخلوا مصر دون تأشيرات أو الذين لا يحملون تصاريح إقامة صالحة منذ سبتمبر 2023، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية. وذكر التقرير أن 800 لاجئ سوداني تم ترحيلهم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2024، معظمهم من أسوان، المحافظة الأقرب إلى الحدود مع السودان، ومن القاهرة والجيزة أيضًا، وذلك بعد اعتقالهم من قبل قوات حرس الحدود أو في كمائن الشرطة داخل المدن. كما نقل التقرير عن المفوضية أن ثلاثة آلاف شخص تم ترحيلهم إلى السودان في شهر سبتمبر 2023 وحده. وتم استجواب العديد منهم أمام النيابة بشأن اتهامات بتهريب أو الدخول والإقامة غير الشرعية في مصر، تجري عادة دون حضور محامٍ، وواجهوا ظروف احتجاز مروعة قبل ترحيلهم، وفقًا للتقرير.

 ولكن، وفقًا لمصدر المفوضية المصرية للحقوق والحريات، فإن «أوضاع المهاجرين واللاجئين في مصر بينظمها مادتين في الدستور مفيش غيرهم، مادة 91 ومادة 93. الأولى بتقول تسليم اللاجئين السياسيين محظور بالقانون. والمادة التانية بتقول إن مصر ملتزمة بكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية اللي موقعة عليها، ومنها اتفاقية جنيف واتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية، يبقى أي ترحيل أو تهديد بالترحيل لملتمس لجوء يعتبر انتهاك للاتفاقيات دي».

وفي خضم كل هذا التعقيد، يواجه السودانيون وغيرهم من الأجانب النازحين بسبب الحرب العديد من المشاكل الأخرى في مصر. يقول طالب لجوء سوداني إنه وعائلته مروا بالعديد من المواقف، حيث توجه لهم تعليقات عنصرية في الشوارع. «طبعًا الأغلبية مش بتعمل كدا، بس توقعنا معاملة أفضل من جيراننا».

المصدر: هنا